**"رهانات السرد العربي المعاصر": قراءة نقدية متجددة في مختبر أحمد المديني**
يُمثّل كتاب «رهاناتُ
السَّردِ العربيِّ المُعاصر: دراسات وقراءات مونوغرافية» للناقد والباحث المغربي
المرموق أحمد المديني، إضافة نوعية ضمن مشروعه النقدي الممتد، والذي يسعى من خلاله
إلى استكشاف وتأصيل التحولات الجمالية والفكرية في المشهد الروائي العربي.
![]() |
**"رهانات السرد العربي المعاصر": قراءة نقدية متجددة في مختبر أحمد المديني** |
يواصل المديني في هذا العمل
مساره الذي خطّه بوضوح في كتابيه النقديين السابقين، «في حداثة الرواية العربية - قراءة
الذائقة» و«السرد والأهواء، من النظرية إلى النص»، مركّزًا على قراءة نصوص روائية
عربية معاصرة تتميز بقدرتها على الانخراط في مسار التطور والتجديد السردي، وتجريب
أشكال ومضامين تتجاوز، أو تحاور بجدية، المتن التأسيسي الذي أرسته أجيال الرواد
والمرسخين.
يقدم الكتاب، الصادر حديثًا
عن دار «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن (2025)، بانوراما تحليلية واسعة، حيث يغوص في دراسة معمقة لنماذج روائية عربية يرى الباحث أنها تمتلك القدرة على أن تقف بندية، من حيث العمق الفني والتعبيري، مع ما بلغته فنون السرد في الآداب العالمية. لكن هذه الموازاة لا تعني طمس الهوية، بل يؤكد المديني على تميز هذه الأعمال بفرادتها وخصوصيتها المنبثقة من بيئتها المحلية.
- سواء على مستوى اللغة وأساليبها المبتكرة، أو في مهارات البناء السردي المعقد، أو من خلال غنى
- العوالم المتخيلة التي تبنيها، والشخصيات الروائية المركبة التي تعيش هموم عالمها وتستشرف في
- الآن
ذاته آفاق المستقبل.
تحليلات المدينى
مستلهمًا مفاهيم نسقية ملائمة لتفكيك النصوص وقراءتها بعمق، فإنه يمنح "الذائقة" النقدية مكانة محورية في عمله. لا يعتبرها مجرد انطباع شخصي، بل هي، في منظوره، أداة نقدية مصقولة، وغربال معرفي دقيق، ومنهج عمل يتأسس على استعداد فطري يُصقل ويُغذى باستمرار عبر القراءة المتعمقة والتفاعل الطويل مع النصوص.
- يرى المديني أن هذه الذائقة المدربة تمثل ذروة ما يمكن أن يبلغه الناقد أو دارس الأدب، حين تتخمر
- ثقافته وتتجلى عصارتها في رؤية نقدية تتجاوز جفاف النظريات ورطانة المصطلحات، وتتفوق على
- مجرد الاستعراض المهاري للمناهج المختلفة. إنها القدرة على الإحساس بـ "كيمياء النص" والغوص
- في تراكيبه الدقيقة.
تتجسد هذه الرؤية في الدراسات
التي يضمها الكتاب، والتي تمثل خلاصة حوار طويل ومثمر بين الناقد والنصوص، علاقة
يصفها المديني بأنها تتأرجح بين "الألفة والجدل". لقد سعى عمدًا إلى
تحقيق تفاعل خلاق بين الرؤية النظرية والتحليل النصي التطبيقي، مع ميل واضح لإعطاء
الأولوية للتحليل باعتباره الميدان الحقيقي لاختبار الفرضيات النقدية وممارسة
القراءة كفعل اكتشاف.
يؤكد المديني أن هذه القراءة، بطبيعتها، تتفرد بدراسة نص أو ظاهرة محددة بعمق، دون ادعاء الشمولية المطلقة. لكنها، في الوقت نفسه، تمتلك القدرة على أن تتحول إلى مرصد نقدي عام، ونقطة انطلاق لتكوين ذائقة أدبية واعية وقادرة على التركيب والمقارنة. الهدف هو وضع السرد العربي المعاصر في سياقه الصحيح، بعيدًا عن التزيد أو المبالغة.
- من خلال تنظير وتقويم وتذوق ينبع مباشرة من قلب النصوص ومرجعياتها الثقافية والتاريخية. تمكن
- هذه المقاربة من الجمع المتوازن بين البحث عن الجماليات الفنية واستقصاء المعاني والدلالات، مع
- الاعتراف الواعي بالتفاوتات الموجودة بين التجارب السردية العربية المختلفة على المستوى
- القُطري، دون أن يؤثر ذلك بالضرورة على التقييم الفني
الموضوعي.
الختام
الذي أغنى المكتبة العربية بمجاميع قصصية
وروايات ودواوين شعرية، بالإضافة إلى دراسات أكاديمية وكتب نقدية تناولت المدونة
السردية في المغرب والمشرق، فضلاً عن إسهاماته في مجال الترجمة. ويُعدّ "رهانات
السرد العربي المعاصر" كتابًا ضروريًا للمهتمين والباحثين في الأدب العربي
الحديث، حيث يقدم رؤى نقدية عميقة وأصيلة، ويفتح نوافذ جديدة لفهم مسارات السرد
العربي الراهن وتحدياته الجمالية والفكرية.
.jpeg)